منذ أن عقلت وأنا أسمع عنك في ختام أو في بداية كل عام هجري جديد.
أنتِ يا صاحبة الموقف الخالد الذي لم تبليه الألف وأربعمائة وخمس وثلاثون عاما.
أنتِ يا ذات النطاقين،
أسماء بنت ابي بكر الصديق – رضي الله عنهما – في قصة هجرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
عن عَائِشَةُ رَضِي الله عنها قالت: «فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بنتُ أبي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ على فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ» رواه البخاري.
وَمِمَّا تعودنا سماعه سنويا في الدروس المستفادة من الهجرة عند هَذَا الموقف من الهجرة النبوية توشيح هذا الموقف بديباج سحر الكلام، وسندس نفث العبارات، ملخصة بيان الدور العظيم للمرأة في بناء المجتمع، وكونها الشريك الاستراتيجي للرجل في جميع الميادين جملة وتفصيلا.
فهل ينطبق في هذا الموقف عصا موسى عليه السلام بقوله: ﴿وليّ فيها مآرب أخرى﴾؟
والغريب أن الموقف لا يستوعب كل هذه التحليلات المبدعة والاستنباطات المتكلفة، بل هو موْقف فطري جليل، ودور نسوي جميل تقوم به كل أنثى بخدمة أبيها أو عمها، بغض النظر عن أي بقعة في الكون كانت.
فلماذا لا نذكر هذه الخدمة العظيمة التي قامت بها أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – وهي لم تغادر بيتها قيد أنملة؟ أم أن لزوم المنزل وخدمة أهل البيت من أب أو زوج أو أخ أو ابن هي مهمة الخادمة ووظيفتها؟
فلا يستحسن قيام المرأة المعاصرة أو البنت المثقفة بتلك الأمور بحجة تغير الزمن وتبدل العوائد، وأن زمن هيمنة الرجل قد ولى! وكأن الخادمة تعيش بالزمن البائد وليست امرأة ولا أنثى بل شخص آخر من كوكب غابر!
تُرى ما تعمل الأسر الفقيرة أوْ ذَات الدخل المحدود التي لا تستطيع توفير الخدم لقلة ذات اليد؟!
على العموم، ليس هذا الذي رغبت بتسطيره عن هذه الصحابية المبجلة؛ لكن كما قيل: الشيء بالشيء يُذكر.
ومن فخر المواقف العجيبة والتي تستحق معها وقفات لتكون نبراسًا للاستقرار الأسري، ومثلا للالتئام والتلاحم الزوجي، ما كانت تتمتع به أسماء بنت ابي بكر – رضي الله عنهما – من فهم عميق لنفسية زوجها الزبير بن العوام – رضي الله عنه، وهذا الأمر من أعظم الأمور الَّتي نحتاج اليها لضمان السعادة الزوجية، وتذوق حلاوة التوافق والانسجام بين الزوجين.
يتبع بالجزء الثاني في العام التالي بإذن الباري
عصر الجمعة
٣٠ -١٢-١٤٣٥
25 أكتوبر 2014
No Comments