(2) نعم لي مواقف غيرها► المقالات

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

إن من أهم المواقف التي سطرتها لنا الصحابية الجليلة والأنثى الجميلة في عقول العلماء ونيرته بأشرف وأصح كتب التاريخ والحديث ما ورد عنها في صحيح مسلم، مما يظهر لنا قدرتها الفريدة في الاحتواء نفسية الزوج، وقدرتها في سيطرتها لانفعالاته، وسبل التعامل مع غيرة الزوج الصالح الجِبِلِّيَة، بلا هدم للبيت ولا إثارة للقلاقل بوطن الأسرة،
وتقدم له خدمة ما علمت من أحد قدَّم مثلها في رعاية فرس زوجها، بعد مجاوزتها لخدمة بيتها وزوجها، وهي من هي، إنها بنت الصديق أبي بكر صاحب رسول الله وأحب الخلائق إليه، ابنت الحاكم وخليفة المسلمين بعد رسول الله، وأخت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، وصهيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجة ابن عمة رسول الله،
إنها ذات النطاقين التي سطرت نفسها في تاريخ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتشرف الأيام كل عام وتتوين بذكراها عند الكلام بحدث الهجرة النبوية، فقل لي بالله عليك هل تعرف في واقعك مثلها، كيف لا وهي لها من اسمها النصيب الوافر والحظ الزاخر، فـ (أسماء) فهي (سماء) لزوجها إذا حذفت الهمزة (أ)، تظلله بكل سعة الصدر وطولت البال على حاله وغيرته وهي (ماء)، إذا حذفت الهمزة [أ] والسين [س]، مصدر الحياة لهم، فهي ماء السماء طهراً وحياة، فمن كانت هذه صفاتها ووصفها، فكيف لا تُسطَّرُ في التاريخ،

وكيف لا تكون نبراسًا لعامرات البيوت، وسراجًا منيرًا للزوجات الفاخرات،روى الإمام مسلم في صحيحه 2182، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ، وَكُنْتُ أَسُوسُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ، كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَأَسُوسُهُ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا، قَالَتْ: كَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَأَلْقَتْ عَنِّي مَئُونَتَهُ، فكأنما أعتقتني، وكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى، مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، قَالَتْ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، قَالَتْ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ، وجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ قَالَتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيْرُ؛ فَتَعَالَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي، فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ” رواه مسلم

وفي الحديث وقفات موفقة منها

1- خدمة الزوج تشريف للزوج وليست تعليف،
فهي تكليف وعبادة من الرحمن، وليست تسلط أو إذلال للمسلمة كما يصورها الشيطان، وهذه الخدمة منها الواجبة فرضًا والمستحبة عرضًا، ومنها المحرم مما يسخط الله الخالق، وتمامًا ما يجب على الزوج من خدمة النفقة والرعاية والعناية لزوجته، مما يتجلى لك من فعل أسماء بنت أبي بكر مع زوجها فقد تجاوزت خدمة البيت إلى خدمة فرسه، وسيلة الجهاد وحماية الدين وصيانة الوطن، فتكون مع زوجها بالأجر سواء.

2- مراعاة طبيعة الزوج واحتواءه ورعايته،
فالسيدة أسماء كانت تراعي طبيعة زوجها حتى لو أمام خير البشرية ورحمة العاملين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمام أعف وأطهر الرجال عبر التاريخ، الصحابة الكرام، فحيائها وحسها لغيرة زوجها منعتها أن تركب خلف رسول الله كما في الحديث “فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، قَالَتْ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ“، ثم تستوعب تعليق زوجها ولا تفسره بتسلط ولا بتشدد ولا بتزمت ولا بشكاك لها “فَقَالَ: وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ“، فسترك يا الله، فوالله هم الغرباء أو نحن الأغراب ولا تعليق بعد ذلك،

3- الدهاء والكيد الحسن،
فدهاء المرأة وفطنتها صفات أنثوية عتيقة، وسمات نسوية عميقة، فانظر كيف تعاملت أسماء مع الفقير الطالب لجوار بيتها “وجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ قَالَتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيْرُ؛ فَتَعَالَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي، فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ” فأرضت زوجها وأرضت ربها قبل ذلك، وأرضت الفقير في قضاء حاجة بلا ريب ولا شك، فاتفقت معه أن يطلب ذلك الطلب وعندها زوجها، فلما فعل ذلك، رفعت صوتها ورفضت ذلك حتى تستثير غيرة زوجها فيخالفها ويأذن هو له أمامها، وهو لا يدري أنها هي التي أذنت للفقير وليس هو، فلله درك يا أسماء، فأنت والله سماء الزبير وأنت ماء الزبير الذي يغسل شدة الغيرة من قلبه بحسن تصرفك الذي لا مثيل له.

إذًا، أليست مثل هذه المرأة العاقلة المؤثرة، والصحابية العامرة للبيوت، تستحق أن تُذكر وأن يُدَّرَس منهجها لبناتنا ونسائنا؟
فبمثلها تعمر الديار

كتبه أبوسهل
عصر الجمعة
30-12-1443
29 يوليو 2022
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

No Comments

Post A Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

نوصيك بقراءة
منذ فترة مرّ عليّ موقف غضبت فيه غضبًا شديدًا، ألهمني الله الصمت والسكوت بلطفه والحمد…