قصة حوار بعام (2010) عن مقومات المصلح الأسري► المقالات

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

إنّ الناظر للحياة الزوجية حال وفاقها أم حال شقاقها لا تخرج من المحاور الثلاثة التي تبناها صندوق الزواج بالطرح المبارك في المنتدى الحواري يوم الخميس 15/مارس/2012 بجامعة زايد في دبي، وكنت مشاركًا فيه، تحت عنوان “إدارة الخلافات الزوجية” من خلال المحاور الثلاثة المحور الشرعي، والمحور النفسي، والمحور الاجتماعي.
فقد ذكرني هذا الأمر بمجلس طريف، وحوار لطيف، دار بيني وبين أحد أفاضل الفضلاء، والدكاترة النبلاء، لم أستطع نسيانه قبل عامين من تاريخ المنتدى الحواري، على نسق “إنْ أنسى فلن أنسى” كلمة حفظتها من الشيخ الألباني، عبر أشرطة “سلسلة الهدى والنور”، فلن أنسى ذاك الحوار الجميل، بيني وبين الدكتور والأستاذ الفاضل والمهتم بشؤون النفسية للأسرة حسب تخصصه، فاتصل بي من مكتبه لمقابلته، ليرى ما عندي من بضاعة مّزجاة عن القضايا الأسرية والحلول المناسبة من خلال وجهة نظري والتجربة العملية، وأخذت معي بعض المواد التدريبية أو المذكرات المسطورة من بنات أفكاري مزينة بحجج وبراهين وأدلة شرعية مباركة من الوحيين، لأني أعتقد بأن الله يريد لنا ولكل أسرة السعادة والتيسير والاستقرار.
– فقال لي بعد كرم الترحيب وجميل الضيافة والتعرف: يا أستاذ عبد القادر؛ أراك تكثر من طرح الآيات والأحاديث الشريفة في القضايا الزوجية، وظني أن ذلك كان منه تمحيص وأختبار، فقد رأيته عاقلاً وتخصصه الطب النفسي
– فقلت له: بدهاء ودبلوماسية، هكذا سوق التدريب وأنا مدرب ولكل سوق رواده.
قلت ذلك عمدًا، فابتسم وأعجبته الإجابة ولم يعقب.
ويا أسفاه؛ لماذا إذا نثرنا الأدلة الشرعية بين ثنايا كلامنا أو كتاباتنا يكون حالنا غريب؛ وإذا ذكر غير ذلك يكون أمرنا قريب لهذا المذكور أكثر من الأدلة الشرعية، مع أن الأدلة تقرر ذلك المراد والمؤمل وهل غير هذه الأدلة بعالميتها غيرت حياة العرب وهل عرفت العرب التاريخ والتأثير والتغير لغيرهم إلا من خلال الأدلة.
– ثم قلت له: يا أستاذي المفضال، الذي يريد أن يصلح الأسر، أو أن يسعى لاستقرار المجتمع أسرياً وتربويًا لابد أن يجمع الثقافة الكافية لثلاثة علوم
علم النفس وعلم الاجتماع والعلم الشرعي، وبدأت بعلم النفس من باب الاهتمام لاهتمام الآخر، ومن باب التدرج والسلاسة في توصيل ما أريده بلا معارضة منه
– فقال لي: أحسنت، صدقت وأوجزت
– فقلت له: هل تعلم أن هذا مما استفدت من كلام الله سبحانه وتعالى وأنّ هذا الأمر مسطور بكتاب الله ومنشور بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مليء طافح في الكتب التراث الفقهي قبل دساتير القوانين ومجامع علوم النفس والاجتماع؟
– قال لي: بيّن لي ما تقصده.
– قلت له: أقصد بالجانب الشرعي، إنّ الحياة الزوجية عندنا عبادة شرعية تبدأ حسب أعرافنا الشرعية والاجتماعية بالخطبة وتنتهي بأقرب الأجلين الموت أو الطلاق ولكل ذلك أحكام شرعية وآداب مرعية لابد من إحاطتها، فقد قال تعالى عن بداية العلاقة: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} سورة البقرة 235.
ثم ذكرت له آيات الطلاق والوفاة وما يترتب من أحكام شرعية بأوجز إشارة، وأقصر عبارة، وإذا ذكر الله بداية الحياة الزوجية ونهايتها بهذا التفصيل أو يُعْقل أن يهمل سبحانه وتعالى مما يسعد الزوجين خلال مسيرتهما أطالت أم قصرت؟ إنّ لهذا لأمر عجاب؛ وهل يعقل أنْ من يجهل هذا الجانب الشرعي من الأحكام يستطيع أن يعالج ويُصلح البيوتات، وبمثال يتضح المقال لو أجريت مسابقة مارثون أو ما يشبه ذلك، فتجد أن الجهات المنظمة تبين عبر الإعلانات المسافة من بداية السباق إلى نهايته، فهل يمكن هذه الجهة أنْ تترك المتسابقين بلا توضيح لخط السير أو تضع لهم العلامات والأمارات الإرشادية؛ فإذا كنا نستحيل ذلك ونستعظمه في الألعاب والملاهي فكيف بشريعة الرحمن العليم الحكيم سبحانه، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}
– قال: ماذا عن الجانب الثاني.
– قلت له: أمـا الجانب الثاني وهو النفسي فقد قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} الروم، وهل الزواج إلا للأنفس، والجسد وسيلة لذلك فالسكون (الراحة) والمودة والرحمة أمور نفسية معنوية.
أليس الزواج للأحياء من دون الأموات، وقد قال رسول الله للخاطب عن المرأة:(هل نظرت إليها؟ قال: لا. قال: أنظر إليها؛ فإنه أحرى أنْ يؤدم بينكما) رواه الترمذي وصححه الألباني
وما شرعت الخطبة إلا لمراعاة الجانب النفسي لدوام المودة والألفة بين الزوجين وما شرع الطلاق والخُلع إلا للعلاج النفسي عند صعوبة قيام حسن العشرة الجالبة للسعادة الزوجية والعيش برغد الحنان ودفء العواطف.
– ثم قلت: وأما الجانب الاجتماعي، وأعني ذلك معرفة كل واحد من الزوجين البيئة المجتمعية السابقة، والتربية السالفة لشريكه؛ مما يضمن الاحتواء والتعايش، بل هو حزام الأمان لكثير من الأزمات عند الملمات وتلاطم أمواج الخلافات، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: {نساؤكم حرث لـكـم فـأتـوا حرثكم أنى شئتم} البقرة 223
– فقال صاحبي مستغربًا: ما علاقة الآية بالجانب الاجتماعي؟
– فقلت له: إذا عرفت سبب نزول الآية بطل عجبك، كما قيل قديمًا إذا عرف السبب بطل العجب، وسبب نزولها أن رجلاً من قريش- من أهل مكة – تزوج من امرأة من الأنصار – من أهل المدينة- فاختلفا في كيفية الجماع بسب اختلاف البيئة والثقافة المتوفرة عن هذا الوضع الحساس؛ ففشا أمرهما فأنزل الله قرآنا يتلى إلي يومنا لعلاج قضية من أخص خصوصيات العلاقة الزوجية كانت ناجمة بسبب الاختلاف في الجانب الاجتماعي والثقافة البيئية والتربوية، وكذلك من الأدلة لمراعاة وتعرف وفهم الجانب الاجتماعي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات:13
بهذا انتهى خلاصة الحوار؛ الذي دار بيني وبين الأستاذ القدير وصاحبي الجدير. وأقول لكل حريص للحياة الأسرية لكي تلملم أطراف الإصلاح والفلاح، على الصعيد الفرد والمجتمع، لابد لك من الإلمام للمحاور الثلاثة، المحور الشرعي والمحور النفسي، والمحور الاجتماعي، بقدر يعطيك التصور الواضح
ومن أقبل على فهم وتعلم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجدر من غيره في إحاطة ذلك ويكتب له التوفيق في السعي فيما فيه الخير والصلاح على للجميع
وأنصحك أيها القارئ وكل مهتم بشؤون الأسرية الرعاية والعناية في ما كتبه العلماء المفسرين في ذلك وأخص بالذكر في العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار فقد أبدعا وأجادا عند الكلام والتفسير للآيات المتعلقة بشؤون الأسرة في سورتي البقرة والنساء وغيرهما.
وفي الختام أتوجه بالشكر الجزيل للسادة صندوق الزواج؛ فبفضل الله ثم بمنتداهم الحواري كان السبب لكتابة هذه السطور بعد عامين من حبسه في غيابة جبّ فكري ويصلح عوان آخر للمقال ” صندوق الزواج يذكرني بحوار ممتع قبل عامين”

عبدالقادر محمد عجال

الخميس 15 مارس 2012

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع غيرك لتعم الفائدة

No Comments

Post A Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

نوصيك بقراءة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أقضيه…