( يا بُني ثلاث لا يعرفون إلا ثلاث )
في عام 2001، يسر الله القبول بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بكلية الحديث الشريف فيها
بعد تخرجي مباشرةً كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود رحمه الله؛ وقد نصحني العديد مِن الأفاضل بتكملة الدراسات العليا الماجستير؛ وترك الالتحاق بالمدينة وإعادة المرحلة الجامعية كَرّة أخرى وإطالة الطريق؛ كل ذلك – أحسن الله لهم – حرصاً منهم عليّ ودنيّاي وحسن ظنٍ منهم باغترارهم بتحصيل المعلوماتي، لكن ولله الحمد لم آخذ برأيهم، ولَم أكـن لأرغب عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيها من الخير العميم والعلم الغميم والإيمان الحميم مهما كان، وقد شاورت والديّ بارك الله لنا فيهما، وشجعاني بدعائهم الدراسة بالمدينة، وكان يوم السفر عصيباً عليّ، ذو وقع شديد، متناقضاً بين لوعة ألم الفراق بالعائلة، وروعة أمل اللحاق بالجامعة؛ وأنا كظيم ويكفيك وصف معاناتي انهمار الدمع بالخد وانغمار الوجع بالكبد منذ ركبت السيارة إلى المطار مسافة (100) كم، مع الجهد الكبير الذي بذله الأخ الحبيب والرفيق اللبيب أبو سالم جمعة الحوسني جزاه الله عني كل برٍ؛ ليخفف عني ويسليني بالحوار والنقاش بمسائل علمية وفكرية، آه وا أسفاه من يوماه والله الآن ثارة مشاعري وسال الماء على جفوني من بكاء عينيّ وأنا أكتب هذا، يا الله رحماك رحماك.
على العموم مما أوصاني أبي المبجّل متعنا الله به وحفظه؛ ذاك اليوم، وصيةً هي من عيون وصايا الآباء لأبنائهم؛ قوله لي – رفع الله درجاته -: ( يا بني ثلاث لا يعرفون إلا ثلاث؛ التاجر والطبيب والعالم؛ فكن بعلمك للعالم كلّه ) ا. هـ
فعقلت نصحه وفهمت مراميه؛ أجزل الله له الأجر وبره كما برّنا وحرص علينا.
* فالتاجر لا يعرف إلا مصلحة ربح تجارته وثمن بيع بضاعته.
* والطبيب لا يعرف إلا نصل الدواء وفصل الداء علاجا لمرضاه، ولو كانوا من خصومه والسهر على عافيتهم، والحرص عليهم أكثر من أنفسهم مع اللطف معهم والعطف عليهم.
* والعالم لا يعرف إلا نشر العلم وهداية الناس لمنافع الخير ومنابع الإيمان ومراتع الأمن والأمان والسلام للأوطان والأبدان مقدما بحقوق الخالق الرحمن قبل حقوق الخلق الإنس والجن والحيوان.
– وقوله لي: ” فكن بعلمك للعالم كله ” يعني إذا سلكت طريق العلم فإياك أن تكون رجل قبيلة
أو حزب أو جماعة بل كن رجل أمة ينتفع الجميع من مَعينه؛ الحاكم والمحكوم، الذكر والأنثى القريب والغريب، العدو والحبيب، المسلم والكافر، يريد خير الدارين للجميع، لا تأسرك الحدود الجغرافية، ولا الثكنات الفكرية، ولا مضايق جحر الحزبية، ولا كلاليب القومية ولا خصومات الشخصنة، ولا عصامات المشحنة، همه بذل نفسه؛ لمنفعة البلاد والعباد حيثما كان، وريثما حلّ، كالغيث نفع حيث وقع، شعاره (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله )
عبدالقادر محمد عجال
فجر الجمعة 20رجب 1439
No Comments